يا أيها السامعون، إنكم تسمعون هذا الحديث ومنكم من يتهيأ ليذهب إلى سهرته، ومنكم من يعكف على قهوته ودَخينته، ومنكم من هو في خصام مع زوجته، ومنكم من يفكر في عمله أو في تجارته. يمرّ بكم ذكر الآخرة فتفكرون فيها لحظة واحدة ثم تنسونها، ينتقل بكم الرادّ من الموعظة إلى غيرها فتنتقلون حيث ينقلكم، فكأنكم ما سمعتم ذكرها.
إنكم كرَكْب طال عليه الأمد وامتدّ به المسير، فلم يعد يسأل: إلى أين المصير؟
لقد ضلّ به الطريق، فهو يَحُطّ الرحالَ كل عشية ويمشي كل صباح، لكنْ لا يدري إلى أين يمشي. وإذا نادى الدليلُ ليرشد الرَّكْبَ الضالّ ويهدي السَّفْرَ الحائر ضاع نداؤه الخافت في ضجة القافلة الصاخبة، التي غدا أكبر همها أن تستمتع بما حولها وأن تقطع باللهو الساعةَ التي هي فيها.
لقد شغلتكم مناظر الطريق عن غاية الطريق، واكتفيتم بمُتَع السفر عن التفكير بنهاية السفر.