بالقسَم، وبعد تثبيته بالمثال- مَن يشكّ في أن الرزّاق هو الله! نسمع كل يوم قائلاً يقول:"إن فلاناً قطع رزقي". إنّ رزقَك لا يستطيع أحدٌ أن يصرفه عنك ورزقَ غيرك لا يقدر أحدٌ أن يُوصله إليك؛ ما كان لك فسوف يأتيك على ضَعفِك، وما كان لغيرك لن تناله بِقوّتك، رُفِعت الأقلام وجفّت الصحف.
وربما أعدّت لك زوجتك الطعام ووضعته على سفرتك فلم تأكله لأنه مقسوم لغيرك، وربما وصل الدينار إلى يدك فلم تنتفع به لأنه رزق سواك. حدّثني الشيخ صادق المُجَدّدي رحمة الله عليه، الذي كان من علماء أفغانستان الكبار والذي كان عميد السلك الدبلوماسي في مصر أيام الملكية زمناً طويلاً، أنه كُلِّف يوماً بمهمة رسمية في البلاد الروسية، فخاف أن لا يجد فيها لحماً ذبحه مسلم (ولا يجوز للمسلم أن يأكل ذبيحة شيوعي ملحد لا يؤمن باليوم الآخر) فأمر فذُبحت له دجاجتان كانتا في داره، وطبختهما زوجته ووُضعتا في سُفرة (١) حملها معه لتكون طعامه. فلما وصل وجد في المدينة مسلمين، ودعاه شيخ مسلم يعرفه صالحاً إلى الغداء، فاستحيا أن يحمل الدجاجتين معه. فما استقرّ به المقام حتى جاءته برقية بأن المهمة قد أُلغيت وأن عليه الرجوع إلى أفغانستان، ووجد أسرة مسلمة فقيرة دلّوه عليها فدفع الدجاجتين إليها.
فكأنه ما سافر هذه السَّفرة ولا قطع مسافة ألفَي كيل ولا حمل هذه المشقة إلاّ لأن الدجاجتين اللتين كانتا ملكه، واللتين طبختهما زوجته، لم تكونا رزقه بل كانتا رزق هذه الأسرة المسلمة