كتبت يوماً عنهم. منهم من أساتذتنا الشاعر الفحل محمد البِزِم الذي لم يعرفه ولم يطّلع على ديوانه هنا إلاّ القليل من الأدباء، وكنا نعدّه أحد شعراء دمشق الأربعة الكبار وهم خير الدين الزِّرِكْلي وشفيق جَبري وخليل مَرْدَم بك والبِزِم، بلغ العشرين وهو بعيد عن العلم والأدب. بل لقد خبّرني الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير) بلسانه أنه قارب الثلاثين ولم يقرأ شيئاً لأبي تمام ولا للبحتري ولا لتلك الطبقة من الشعراء الكبار الذين كانوا يُعرَفون عند الأوّلين بالشعراء الشاميين، وإنما كان عاكفاً على شعراء عصر الانحطاط.
وممّن أعرف رجل صالح يبيع الكتب في مكتبة صغيرة بجوار الجامع الأموي، اضطرته الحاجة إلى إخراج ولده من المدرسة. وكان الولد ذكياً فعكف على كتب المدرسة وحده يقرؤها، فلما كان امتحان الشهادة الابتدائية دخله فنجح فيه، ثم دخل امتحان الكفاية (التي تُدعى شهادة الكفاءة) فنالها، ثم نال الثانوية، ثم دخل الجامعة. وهو في هذه الأحوال كلها لم يَدَع مكتبة أبيه ولم يترك مساعدته، فلما أتم الجامعة ذهب فأتى بالدكتوراة من فرنسا، وكان من خبره أنه قدم المملكة معاقداً (أي متعاقداً) من نحو خمس عشرة سنة فدرّس في كلية التربية فيها.
والدنيا لا تخلو من المصاعب ومن المتاعب:
خُلِقَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدُها ... صَفْواً من الأقذارِ والأكدارِ؟
ومُكلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِباعها ... مُتطَلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ!
فإذا دهمتك مصيبة فلا تقنط ولا تيأس من رحمة الله وابدأ