الأسباب. والأعرابي الذي ترك ناقته على باب مسجد رسول الله طليقة ودخل عليه، فافتقدها، لقَّنَه الرسول صلى الله عليه وسلم درساً من دروسه النبوية التي تظل إلى يوم القيامة نبراساً لكل من أراد أن يهتدي بها في ظلمة الحياة فقال له:«اعقِلْها وتوكّل»(١).
فالله هو المُعطي وهو المانع، وما يمنع الله أحداً شيئاً إلاّ عوضه بشيء خير له منه، وكم من إخوة عرفناهم رُبّوا في بيت واحد من أمّ واحدة وأب واحد، وكم من رفاق في المدرسة الواحدة بل على المقعد الواحد، صار هذا غنياً وغدا ذلك فقيراً، لأسباب أدركنا بعضها وغاب عنا علم بعض. فليذكر الذي اغتنى أنه كان يمكن أن يكون هو الفقير وأن يحتاج إلى أخيه، فليعامله الآن بما كان يحبّ أن يعامله به. وليذكر الذي يعطي أنه لا يعطي أحداً إلاّ رِزْقَه، كالمعلمين في المدرسة أو الموظفين في الدائرة يُوكّلون أحدهم أن يقبض لهم رواتبهم، فإذا أوصلها إليهم لا يكون قد مَنّ بها عليهم. فالذي يعطي غيره إنما يُوصل إليه رزقه الذي كتبه الله له، ولكنّ الله جعل إيصاله على يديه ليعطيه على ذلك أجراً من هذا الراتب.
وليكن المال عبداً لصاحبه ولا يكن صاحبُ المال عبداً لماله، فقد ورد:«تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ عبدُ الدينار». وما مالك؟ ليس مالك الذي تملكه؛ ولكن لك منه ما أكلت فأفنيتَ، أو لبست فأبْلَيتَ، أو تصدّقتَ فأبقيت.
(١) عن أنس بن مالك أن رجلاً قال: يا رسول الله، أعقلُها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: «اعقلها وتوكل»، أخرجه الترمذي (مجاهد).