دقيق، بلغ من صغره أنه لا يُرى إلا بالمجهر وأنك لو حزمت ألفاً منه وربطتها معاً لكان مجموعها كلها أدقّ من الشعرة.
من هذا الخيط الدقيق خلق الله رفيقك الذي ينكر الله، فجاء يشبه أباه في خلقته وفي جبهته وفي لون عينيه وفي نوع دمه، وورث عن أبيه أو عن جده صفات كثيرة من صفات الجسد، وطباعاً كثيرة وأمراضاً وعللاً. فكيف كانت هذه الملامح وهذه الطباع وهذه الأمراض مخبوءة في هذا الخيط الدقيق الذي لا يُرى إلا بالمجهر، والذي لو اجتمع عدد منه يعدل عدد سكان الأرض كلهم لوسع هذا العددَ كله قعرُ فنجان؟
قل له: إنك تنكر الله بعقلك هذا الذي تفخر به وتعتز بحكمه، فهل أوجدتَ أنت هذا العقل؟ إنك لم تعرف نفسك إلا وأنت ابن ثلاث سنين أو أربع، لا تعرف نفسك وأنت حيوان منوي، خيط دقيق، ولا تعرف نفسك وأنت جنين في بطن أمك، ولا تعرف نفسك وأنت وليد لا تفهم ولا تتحرك ولا تدفع عن نفسك ذبابة سقطت على أنفك ... فإذا كنت موجوداً قبل أن تعرف نفسك، فكيف تكون قد خلقت أنت نفسك؟
وإذا لم تخلق نفسك فتلفَّتْ حولك تَلْقَ جمادات لا تحسّ ولا تعقل، فهل خلقتك هذه الجمادات: هذه الجبال وهذه السهول وهذه الشمس وهذه النجوم؟ إنها كلها لا عقل لها، فكيف أعطتك عقلاً لا تملكه هي؟
واسأله: كيف وُجدت هذه الأسرار التي يكتشفها العلم يوماً بعد يوم؟ إننا سيّرنا قمراً صناعياً، ولكن مَن الذي وضع في الهواء