أوصلته إليه وتركته فغبت عنه في دمشق أسبوعين، ثم عدت إليه فوجدته قد ترك القصر بكل ما كان فيه، وأقام في رحبة أمامَه خيمةً ينام فيها هو وأولاده على نحو ما كان يصنع في البادية، واشترى قِربة وطلب عينَ الماء البعيدة فكان يملأ قربته فيها ويعود بها، لا يدخل القصر ولا يعلم أن الماء في الحنفيّة. وابتاع شمعاً، فكان إذا أظلم الليل أشعل شمعة، فإذا انتهت أو أطفأتها الريح نام مكانه، لا يعرف الكهرباء ولا يهتدي إلى مفتاح ضوئها.
ولبث على ذلك أياماً. إلى أن كانت ليلة من ليالي السَّرار غاب فيها القمر، ولم يجد ما يشعل به السراج فدخل الدار وهو خائف يتلمّس الجدران بيديه، فوقعت يده بالمصادفة على مفتاح الكهرباء، وكان في بهو الدار الثُّرَيّات ذوات العشرات من المصابيح الصغار فأضاءت كلها معاً.
فغارت جرأة الأعرابي كما يغور ماءُ الحوض انشقّت من تحته الأرض، وغاص قلبه في صدره حتى أحس به في قدميه، وأراد الصياح فلم يطاوعه صوته، وطلب الهرب فما حملته رجلاه. وظن أن الجنّ هي التي أشعلت الأنوار، ووقف أمام الباب ينتظر أن يذهب الجني فينطفئ الضوء، فوجده لا يزال مشتعلاً، فتشجع ودخل يلمس الجدران كما كان يفعل أول مرة، فوقعت يده على الزر فانطفأ، فخاف وكاد يهرب، ولكن يده مست الزر مرة ثانية فأضاء، فعرف أن النور يشتعل وينطفئ من هنا.
ورأى الأولاد النور فدخلوا، فوجدوا في الدار ما لم ترَ مثلَه عينُ أحد في القبيلة ولم تسمع به أذناه، وجالوا فيها فرحين، وزال