وقلت لنفسي: يا رجل، مهما عشتَ فإنك ميت، وإنك واقف للحساب، وسيُعرَض الشريط الذي سَجّل عليك كلَّ حركة وكل لفظة وكل صغيرة وكل كبيرة، حتى ما نسيته أنت ولم تعد تذكره، وستكون فضيحتك على رؤوس الأشهاد كما افتُضح الصبي المسكين الذي سرق بعينه من ورقة جاره. فماذا أعددت لهذا اليوم؟
وامتلأت نفسي رهبة وخوفاً، وتصورت ذنوبي التي لا تُعَدّ ولا تُحصى: ما أصنع بها؟ ثم وجدت الخلاص؛ وجدت وسيلة إلى محو هذا الشريط بكل ما فيه. فهل تحبون أن أدلكم عليها؟
إنها طريقة سهلة تَضطرون بها الملكين إلى محو كل ما سجّلا عليكم من ذنوب؛ هي التوبة.
التوبة -يا أيها الناس- هي التي تمحو الذنوب حتى كأنها لم تكن، بل لقد تكون التوبة حسنة من الحسنات، فلا تتخلصون بها من الذنوب فقط بل يكون لكم منها مكانَ السيئات حسنات. وليس في الذنوب ما لا تمحوه التوبة:{قُلْ يَا عِبادِيَ الذينَ أسْرَفُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله، إنّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ جَميعاً}.
* * *
فيا أيها العصاة المذنبون (وأنا والله واحد منكم): هل يقدر أحدٌ أن يحارب الله؟ هل يقدر أحد أن يهرب من لقاء الله؟ هل يقدر أحد أن يخلد في الدنيا؟ مهما نال من القوة والسلطان لا بد أن ينزل في هذه الحفرة وحده، لا ينزل معه والد ولا ولد ولا زوجة