لقد أنعم الله علينا النعم التي لا تحصى، وأمدّنا بالصحة والمال والقوة والعقل، وتكفل لنا بالرزق، وأعطانا كل ما نريد، فكل خير عندنا منه. وقال لنا: إن الشيطان عدو لي ولكم وإنه يريد أن يغويكم ويضلكم، فلا تتّبعوا خطوات الشيطان. وشقّ لنا طريقين، طريقاً طويلاً شاقاً ولكنه يوصل إلى عزّ الدنيا وسعادة الآخرة، وطريقاً سهلاً قصيراً فيه اللذائذ والمتع، ولكنه لا يوصل إلا إلى جهنم.
وأقام لنا أدلّة على مفرق الطريقين: رسلاً مبشِّرين ومُنذِرين، ينادون: يا أيها السالكون، لا تغترّوا بقِصَر هذا الطريق وجماله، ولا تخافوا من طول هذا الطريق ووعورته، فالعبرة بالغايات، وهذا غايته جنة فيها النعيم الدائم، وهذا غايته جهنم التي فيها العذاب المقيم. ووسوس لنا الشيطان أن لا تبيعوا بعاجل ملموس آجلاً مجهولاً، وامشوا من هنا! فمشينا من حيث دعانا الشيطان، وأعلنّا على الله العصيان، وجاهرناه بالمعاصي، وهو مع ذلك يمدنا بالمال والبنين وبالنعم التي لا تحصى.
تركنا هَديَ الرّسل وحِدْنا عن طريق الفلاح، فتكاثرت علينا الأمم وتعاقبت علينا المحن، بعدما كنا بالإسلام ملوكَ الأمم وأساتذة العالم وبعدما نشرنا لسان العربية ودين محمد ما بين قلب فرنسا وآخر الشرق.
كان أجدادنا يعودون إلى الله يدعونه يبتغون منه النصر، فنسينا نحن الدعاء وغفلنا عن ذكر الله. فمَن ينصرنا من بعده؟ هل في الوجود رب آخر نهرب من الله لنلجأ إليه، كما يهرب الرجل من حكومة ليلجأ إلى حكومة أخرى؟ {يَا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ: