وهذا المؤمن الذي أجرم هذه الجرائم وأذنب هذه الذنوب مع الله، ستُسقَط عنه هذه الحقوق وتمحى هذه الجرائم إذا قدّم اعتذاراً صادقاً وتعهّد تعهداً مخلصاً بألاّ يعود إلى مثله. ولكن لم يرضَ أن يقدّم الاعتذار والتعهد، أو أجّل تقديمه وماطل به، أو تردّد وفكر وتحيّر هل يقدمه أو لا يقدمه، ألا يكون مجنوناً؟
إذن فنحن جميعاً مجانين، لأننا قصرنا وأذنبنا فقال لنا الله: أنا أسامحكم بحقوقي وأمحو من سجلاتكم المحفوظة عندي ذكر جرائمكم إذا تبتم. فقلنا: لا، لا نتوب! أو أجّلنا التوبة يوماً بعد يوم.
يقول الفاسق الذي يتبع شهوته: كيف أدع هذه المتع وهذه اللذائذ وأنصرف عنها؟ لا، ولكن أنغمس فيها ما دمت شاباً، فإذا صرت كهلاً تبت عنها. ويقول الذي يأكل المال الحرام من الربا أو من الظلم: إني الآن في سن الشباب وهو سن العمل والكدح وجمع المال، فإذا صرت كهلاً تبت. والفتاة التي تخرج كاشفة الشعر بادية النحر ظاهرة الساق والزند، تقول: أنا الآن صغيرة، فكيف ألبس لباس العجائز وماذا تقول عني رفيقاتي؟ ولكن إذا كبرت تبت واستترت واتخذت الحجاب الذي أمر الله به. والذي يظلم الناس ويتعدى عليهم بقوة ساعده أو بقوة جاهه أو بقوة ماله، يقول: سأتوب إذا صرت كهلاً.
وما أدراك أن العمر سيمتد بك حتى تصير كهلاً؟ وإذا صرت كهلاً فمن أدراك أنك ستتوب؟ ها أنا ذا صرت كهلاً ولا أزال منغمساً بالذنوب، اسألوا الله التوبة لي ولكم.