وإذا سمّوا قساوستهم رجال الدين فلأن القساوسة لا عمل لهم إلا إقامة الصلاة وما يدعونه بالقُدّاس وسماع الاعترافات، أما العالِم المسلم فهو رجل دين ورجل دنيا، لأن الدين والدنيا في الإسلام أخَوان لا ينفصلان، لا كما يقول بعض جَهَلة الخطباء على منابر الجمعة أنهما ضرتان لا تأتلفان.
وإذا قال النصارى إن الغني لا يدخل ملكوت السماوات فإن الإسلام سمّى المال في القرآن «خيراً» فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْراً الوّصِيَّةُ}، وقال عن الإنسان:{وإنّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَديد}. وقرّر أن الغني الشاكر والفقير الصابر في الفضل سواء.
وإذا ألزم النصارى دينهُم (أو ما يقولون إنه دينهم) أن يدير المضروب على خده الأيمن خدّه الأيسر للضارب فإن الإسلام أمر المسلمين بأن يردوا العدوان بمثله فقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم} وقال: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، وهذا هو العدل، {فَمَنْ عَفَا وَأصْلَحَ فأجْرُهُ عَلَى اللهِ} وهذا هو الإحسان، والله يأمر بالعدل والإحسان.
أي أن الإسلام أمر المسلمين أن يدفعوا القوة الظالمة الباغية بالقوة العادلة الرادعة، فإذا ظفروا وتمكنوا من الخصم وعفوا فإن العفو أفضل. والمسلم إنما يعفو عن حقه الشخصي لأنه صاحبه يتنازل إن شاء عنه، أما حق الله فليس لأحد أن يتنازل عنه.
* * *
فالإسلام -إذن- دين ودنيا وعبادة وأخلاق وقانون، لا ينطبق