الملحدة ضاقت بهذا المسجد، وأحس أصحابها كأن هذه المآذن في عيونهم وكأن هذه القبة على ظهورهم، وغشيت أبصارُهم من نور الله فأرادوا ليطفئوه بأفواههم ويمنعوا مساجد الله أن يُذكَر فيها اسمه، فعُطّلت الصلاة في أياصوفيا فلا تقام فيه صلاة بعد اليوم، وسكت المؤذن فلا يدعو في مآذنها إلى الله ولا يصعد بالتهليل والتكبير، ونأى عنها المؤمنون فلا يدخلونها إلا مستعبرين باكين، يندُبون فيها مجد الإسلام وعظمة الخلافة وجلالة السلطان. وذلّ فيها المسلمون وصاروا غرباء عنها، وهم أصحابها وأهلوها، وعزّ فيها المشركون، وشعروا أن أياصوفيا قد خُتمت فيها صفحة الإسلام باسم أتاتورك كما فُتحت باسم محمد الفاتح.
أياصوفيا التي صيح في مآذنها ٨٧٢٣٥٠ مرة «حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله»، فاصطفّ فيها المسلمون خاشعة أبصارهم، مؤمنة قلوبهم، ساكنة جوارحهم، قد وضعوا الدنيا تحت أقدامهم ودَبْرَ آذانهم وأقبلوا على الله بخشوع وإخلاص، فجزاهم بما خشعوا وأخلصوا قلوباً استنارت بالإيمان وعمرت باليقين، كان القلب منها وهو يخفق بين جوانح صاحبه أكبرَ من الأرض وهي تجري في ملكوت الله، فملكوا بهذه القلوب الأرض وفتحوا بها العالم.
أياصوفيا، التي بات فيها المسلمون ١٧٤٤٧٠ ليلة، ولهم في جوفها دَوِيّ بالتسبيح والتكبير والتهليل كدويّ النحل، وما في أرضها شبر لم يكن موطئ قدم مصلٍّ أو مجلس قارئ أو مقام ذاكر أو مقعد مدرّس أو سامع، ولم يكن يحصي إلا الله كم خُتم