«ذلك» كالكأس فيها السم الظاهر، و «هذا» كالكأس خُلط فيها السم الناقع الذي لا طعم له ولا مرارة فيه بشراب الليمون! جاء «ذلك» بالكفر كما يجيء الذئب الكاسر، تسمع عواءه فتغلق الأبواب دونه، وجاء به «هؤلاء» كما تجيء الحية، تدخل عليك وأنت نائم من شِقّ الباب أو من ثقب الجدار، فلا تحس بها إلا وهي ملتفّة عليك.
* * *
لما كدنا نيأس فتح الله لنا باب الفرج.
كنا نظن أنه لا يستطيع أحدٌ أن يقف في وجوه هؤلاء الملحدين لأن معهم السلاح ومعهم الدولة ومعهم المال، فأراد الله أن يري الناس أن النصر ليس بالسلاح ولا بالدولة ولا بالمال، بل بالإخلاص لله والعمل ابتغاءَ وجهه، فبعث من يقف في وجوههم. لم يبعثه قائداً معه الجند ولا زعيماً له الأعوان ولا غنياً عنده الملايين، بل شيخاً ليس عنده شيء من ذلك كله، ولكن عنده ما هو أكبر من ذلك كله، عنده الإيمان.
وحمل الشيخ (١) مشعل «النور» فأقبل عليه الشبان، الشبان الذين عمل الملحدون من نحو خمسين سنة إلى الآن على نزع الإسلام من قلوبهم، بمناهج المدارس ومقالات الصحف والقوانين والنظم والترغيب والترهيب، حتى إذا ظنوا أنهم قد نجحوا وأنهم وصلوا، وأنهم نالوا ما أمّلوا وبلغوا ما تمنّوا وحسبوا
(١) الشيخ سعيد، وعامة الناس عندنا يلفظون اسمه «النَّوْرَسي»، وهو خطأ صوابه «النُّورْسي»؛ نسبةً إلى النُّور (مجاهد).