للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَسْتَعينُ} كانوا صادقين، لا يعبدون إلا الله ولا يستعينون إلا به؛ لا يسألون غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يستعينون بالأموات الذين عجزوا عن معونة أنفسهم. لقد قرأت السيرة وتلوت القرآن فلم أجد في القرآن إلا أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر في تركيب جسمه وصحته ومرضه وطبيعة فكره وخطئه وصوابه، ولكن الله اختاره للرسالة الكبرى فعصمه من كل ما يُدخل الخطأ على الرسالة أو يؤدي إليه أو يشين الرسول، فكان صادقاً مصدَّقاً، لا ينطق عن الهوى ولا يقول إذا بلّغ عن ربه إلا الحق، ولا يشرّع من الدين إلا ما أذن به الله. وكان منزَّهاً عن الذنوب والمعايب التي لا يليق بصاحب الرسالة أن يتصف بها، فإذا جاوز الأمر تبليغ الرسالة وما يتصل بالدين إلى أمور الدنيا فهو بشر يخطئ ويصيب، وإن كان من أكثر الناس صواباً وأقلهم غلطاً لأنه كان أكمل الناس عقلاً وأثقبهم بصيرة. وما دام بشراً فإنه يموت إذا جاء أجله، وإنه الآن ميت ليس حياً في قبره كما يظن الجَهَلة من العوام وأشباه العوام، وقد قال الله ذلك في كتابه وقاله أبو بكر صاحب الرسول وصدّيقه على منبر الرسول في مسجده بحضرة أصحابه وعترته. أما الذي قاله عمر ساعةً من نهار فإنما كان مصدره الألم المفاجئ والحب الطاغي على الفكر، فلما سمع من أبي بكر ما سمع لم تحمله رجلاه فسقط.

قرأت السيرة من ألفها إلى يائها فلم أجد أحداً من المسلمين دعا الرسول أو لجأ إليه إذا حاق به الخطب الذي لا يقدر البشر على دفعه، وإنما كانوا يلجؤون إلى الله ويدعونه، لا يقولون مقالة البوصيري:

<<  <   >  >>