من مشارقها ومغاربها، فغدت كأنّى فى تخليد أخبارهم، وتجديد الدارس من آثارهم قبلى من اللواقح السواحب ذيولها على الأرض الخاشعة إحياء لمواتها، وربعى من النوافخ فى صور رعدها على الروضة الفائحة إنشارا لنباتها، ولم ينشر إلىّ الوصول إليها والفراغ منها إلاّ وقد وخط القتير، وطلع النذير، وانضمّ الخيط الأبيض من الفجر إلى الخيط الأسود من الشعر، فحلى الفود مشتعلا وأضاف الدود إلى الدود فصارت إبلا.
ثم اخترت الله تعالى بعد ما أخلصت النيّة، وسألته سرّا وعلانية أن يلهمنى رشدى، ولا يخيّب سؤالى وقصدى، فدلّتنى هناك الإرادة، وحرّكتنى لذلك السعادة، فوضعت هذا التأريخ اللطيف، مشرفا بالاسم السلطانى الناصرى الشريف، وشمّرت عن ساق التشمير، وهجرت كلّ جليس وسمير، ما خلا سمير الكتب، وشهير الأدب، وقدحت زناد الفكرة فأورا وأضا، وأحيت ما دثر من الأفاضل ممّن انقضا ومضا، الذين بأسنّة يراعتهم يضرب المثل، وبألسنة (٨) براعتهم ملكوا قلوب تلك الملوك الأول، إذا كان الوقت للفاضل فيه مقال، ويقال فيه الجاهل وفى الفاضل يقال، فلمّا أقفرت تلك البقاع وخلت الرّخاخ من الرقاع، وتفرزنت بيادق الحراشى، ودثر ونسى الناثر والفاضل الناشئ، وكسد سوق اليراعة، وفسد زمان البداعة، قصدت أن أتتبع آثار الداثر، وأتشبّثّ بشئ من الدارس فى دا الزمان الفاتر، لعلّى أبلغ الأسباب وأضاف إلى جملة عبيد السادة الكتّاب وإن كنت لست من أهل هذه الصناعة، ولا تجّار هذه البضاعة، وأين وقع الضباب من قطر السحاب، وهفيف الغراب من هوى المقاب، لكنّنى تشبّتّ بفصلهم منهم إليهم، وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم.