وكان الابتداء فى الاشتغال بمسوّداته، وجمع نوادره ومستطرفاته وتحصيل أخباره وحكاياته فى سنة تسع وسبعمائة العربيّة للهجرة النبويّة، على صاحبها أفضل الصلوات، وأزكى التحيات، وذلك مما انتخبته وانتقيته وغربلته ونقيته، من تواريخ رئيسة وكتب نفيسة وزبد عجيبة، ونبذ غريبة، يشتمل على درر يتيمة وغرر كريمة، وبدع مؤنقة، ولمع مخرقة، فعاد كالحديقة المشرقة ذات أشجار مورقة بأثمار باسقة، وأطيار ناطقة وأنهار دامقة وأزهار شائقة، وحدائق مزهرة ودقائق مبهرة، ونوادر ملهية، ومضاحك هزليّة وملح شهيّة، ورقائق مبكية وأهاجى منكية، ومدائح زكيّة، وحكايات مليحة بروايات صحيحة، بألفاظ فصيحة، تصل إلى العقول الرجيحة، فلما كمّلت مسودّاته، ونجزت آياته (٩) ألّفت كلّ واقعة فى زمانها، وما جرية فى أوانها، وأقمته تأريخا غريب المنال، كثير الحكم والأمثال، ولخضت من تواريخ الجمع، ما ينزّه الناظر ويشنّف السبع، يتضمّن من فوائد الجدّ، ونوادر الهزل، وفرائد النثر، وقلائد النظم، ما يملأ البصر نورا، والقلب سرورا، مع عيون تواريخ العرب والعجم، ومن سلف من ملوك الأمم، إلى نتف الأئمة الخلفاء وفقس الملوك والوزراء، ونكث الزهّاد والحكماء، ولمع المحدّثين والعلماء، وحكم الفلاسفة والأطبّاء وغرر البلغاء والشعراء، وملح المجان والظرفاء وطرف السّوال والغوغاء، وما يختصّ به كلّ زمان، ويفترد به كلّ طائفة بأوان.
واستفتحت الكلام بتنزيه البارئ المنزّه عن الأوهام الذى لا تدركه الأبصار ولا الأفهام ولا تفنيه الليالى ولا الأيّام، حىّ قيّوم لا ينام، الأبدى على الدوام، ثم أتبعت ذلك ببدء الدنيا وخلق الأشياء مع خلق السموات، وما فيها من المخلوقات العلويّات، وكذلك الأرضين وما قلّها من المخلوقين، وتلوت هذا الكلام بخلق