يكن فى نسل قابيل ملك ولا رئيس على إحدى القولين، والاعتماد فى الباب على ما رويناه عن ابن عبّاس رضى الله عنه وإن ذكرنا غير ذلك، فنذكر ما قالوه الجمع من الناس وخلفهم فيه على عدّة وجوه لئلاّ نكن قد أخلينا بشئ من أقوالهم كون هذا التأريخ ملخّصا من عدّة تواريخ، الوارد أسمائهم فى الجدول الذى ضمنّاه فاتحة هذا الجزء المبارك، والله الموفّق لذلك.
ذكر الحنّ والبنّ والطمّ والرمّ
قال جدع بن سنان الحميرى وهو أحد أبناء أقيال اليمن: أجمع أهل التاريخ أن الله عزّ وجلّ خلق قبل آدم عليه السلام أمما: منهم الحنّ والبنّ والطمّ والرمّ، وأنّهم أفسدوا فى الأرض فأرسل الله تعالى إليهم ملكا فقاتلهم حتى بلغ الدم إلى لبب الخيل، ولم يذكروا صفة خلقهم غير أنّ هذا كلام يدلّ على أنّهم ليسوا بأرواح عرية عن أجسام كالملائكة والجنّ بل أجسام مركّبة فإنّ الدم لا يكون إلاّ فى جسد مركّب.
وقد أوردنا فى هذا التأريخ عن عامر بن شراحيل الشعبى رحمه الله فصلا ذكره عند عودته من عند ملك الروم (٢٠٦) لمّا كان توجّه رسولا من قبل عبد الملك بن مروان وهو: قال الشعبى رحمه الله، وقد تقدّم القول فى اسمه ونسبه: بعثنى عبد الملك بن مروان رسولا إلى ملك الروم فلمّا وصلت إليه وأقمت عنده جعل لا يسألنى عن شئ إلاّ أجبته، وكانت الرسل من قبل لا تطيل الإقامة عنده، قال: فحبسنى عنده أيّاما كثيرة حتى استحنت خروجى وسألته فى ذلك مرارا وهو لا يكاد بنعم لى بذلك، فلمّا أذن لى بالانصراف قال لى: أمن أهل بيت الملك أنت؟ قلت: لا! ولكنّى من العرب فى الجملة، قال: فهمس بشئ فدفعت إلىّ رقعة مختومة وقال لى: إذا أدّيت الرسائل إلى صاحبك فأوصل إليه