قرأ على مؤدّبه:{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً} فقال له: يا أستاذ! ما الورد؟ فقال المؤدّب: لا أدري! ثم قرأ: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} فقال: يا أستاذ! ما العهد؟ فقال المؤدب: لا أدري! فقطع، السريّ القراءة وقال للمؤدّب: إذا كنت لا تدري فلم عزّرت الناس؟! فضربه! فقال له السريّ: ألم يكفك الجهل والغرور حتّى أضفت لهما الظلم والأذى؟ فاستحلّه المؤدّب، وتاب إلى الله من التأديب، وأقبل على طلب العلم فكان يقول بعدها: إنما أعتقني من رقّ الجهل السري!
وروي أنه لمّا بلغ في الحفظ إلى قول الله سبحانه:{تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ} عاد لا يضع جنبه بالأرض لنوم. وكانت أمّه تنصب وسائد عن يمينه وشماله ومن وراء ظهره فلمّا اشتدّ أزال الوسائد ولم ير مضطجعا على الأرض لنوم حتّى لقي الله تعالى؛ وبلغ من العمر ثمان وتسعين سنة. وكان يقول: لي ثلاثون سنة أستغفر الله من قولي الحمد لله مرة! فقيل له: كيف؟ قال: وقع في السوق حريق فخرجت مبادرا إليه فاستقبلني رجل فقال لي: قد سلم حانوتك! فقلت: الحمد لله! فأنا أستغفر الله منذ ثلاثين سنة من هذا القول.
ذكر سنة ستّ وخمسين ومائة (٤٨)
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم ذراعان وخمسة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا واثنان وعشرون إصبعا.