وقعرها قعر بعيد، والصديد مكان الصلف، فيها السلاسل والأغلال، والمقامع والأنكال، وهم بحال أى حال أصلح منها التلف، تولّى عنهم الأقارب، فتولّتهم حيّات وعقارب، كأنّها البغال أو نقارب، تدنو منهم وتقارب، فإذا اللحم مختطف، زمانهم ليل حالك، وضجيجهم ضجيج هالك، ويستغيثون يا مالك، وما التفت ولا انعطف، عقابهم عقاب وجيع، ونديمهم بئس القرين والضجيع، تجرى الدموع ثم النجيع، على القبيح الذى سلف، أفلا مميّز بين الدارين، أفلا فارق بين الفريقين (٢٤٧)، أفلا مغتنم للحين بعد الحين، بلى من أحضر ذهنه عرف.
فارتجن المجلس ثم ارتجّ، ولم يبق فيه عين إلاّ مجّ، فمنهم من تعلّق بالمنبر ومنهم من هجّ، فانحطّ الشيخ عن كرسيّه وانزجّ، فإذا أبو التقويم أعرفه بالحاجب الأزجّ، فأسرع فتبعته من فجّ إلى فجّ، فقال: ترانى أهرب وأنت تطلب يا فج، فقلت: الصحبة، قال: نوبت الحجّ، فاجتهدت وألححت فولج الدار ولجّ، فرجعت وما حظيت من حجّته إلاّ بالعجّ والثجّ.
[تفسير الغريب من هذه المقامة]
الشوقب: الطويل، والدملص: الأملس البراق، والنسيس: العطش، والغلل: الماء الذى يجرى تحت الشجر، ومنيت: ابتليت، وشسف: قحل، وارتجن: مثل ارتج.