وجاءت جيوش الرّوم فأحاطت بالمسلمين من كلّ جانب، فكتب أبو عبيدة لعمر بن الخطّاب رضى الله عنه كتابا يطلب المدد، ويعلمه ما هم فيه، فبكى المسلمون لما قرئ عليهم كتاب أبى عبيدة، وقالوا: سيّرنا إلى إخواننا وسر معنا، فلو قدمت الشام شدّ الله ظهور المسلمين! فقال (١٤٢) للّذى جاء بالكتاب: كم بين المسلمين وبين الروم؟ قال: بين أدناهم وبين المسلمين ثلاثة أيّام، وبين جمعهم وجمعهم خمس ليال، فقال عمر: هيهات، متى يأتى هؤلاء غياثنا، ثم كتب إلى أبى عبيدة كتابا شجّعه فيه، ورغّبه فى الشهادة، وأخبره بقوله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ»}(١)، وسيّر نجدة بألف فارس، فلمّا دخلوا عسكر أبى عبيدة قويت نفوسهم.
[ذكر وقعة اليرموك]
قال: وسار أبو عبيدة بالنّاس من دمشق حتى نزل اليرموك، ولما تدانى العسكران لم يتقّدم عليهم الروم، وألقى الله فى قلوبهم الرّعب، هذا والمسلمون على مصافّهم، ثم انصرفت الرّوم عنهم ذلك اليوم، فلمّا كان من الغد وأقبلت الرّوم كأنّها سحابة منقضة، بدر أمراء الأجناد يعظون أصحابهم، فبرز معاذ ابن جبل رضى الله عنه، وقال: معاشر المسلمين اصبروا، فو الله لا ينجيكم اليوم إلاّ الصبر، ثم نزل عن فرسه وقال: من أراد أن يركبه ويقاتل عليه فليفعل، فوثب عليه ابنه عبد الرحمن، وهو غلام حين احتلم، وقال: يا أبت، إنّى لأرجو أن لا يكون فارس أعظم غناء منّى، ولا راجل أعظم غناء منك.