ولمّا أذّن فى الناس فى هذه السّنة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاجّ قدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلقمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله، وخرج صلّى الله عليه وسلم نهارا بعد أن ترجّل وادّهن وتطيّب وبات بذى الحليفة، وقال:
أتانى الليلة آت من ربّى فقال: صلّ فى هذا الوادى المبارك ركعتين وقل عمرة فى حجّة.
وأحرم النبى صلّى الله عليه وسلم بها بعد أن صلّى فى مسجده بذى الحليفة ركعتين وأوجب من (١) مجلسه، وسمع ذلك منه أقوام منهم ابن عبّاس، ثم ركب فلمّا استقلّت به فاقته أهلّ، ثم لمّا علا على شرف البيداء أهلّ، فمن ثمّ قيل: أهلّ حين استقلت به ناقته، وحين علا على شرف البيداء، وكان يلبّى به تارة وبالحجّ تارة أخرى، فمن ثم قيل إنّه منفرد، وكان تحته صلّى الله عليه وسلم (٥٦) رحل رثّ عليه قطيفة لا تساوى أربعة الدراهم، وقال: اللهمّ اجعله حجّا لا رياء فيه ولا سمعة.
قال جابر (٢): ونظرت إلى مدّ بصرى بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه أنزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل من شئ عملنا به.