ولما انصرفت القرامطة عن دمشق بعد قتلة الطاغية بايعوا الحسن ابن زكرويه. فساربهم حتى افتتح عدّة من مدن الشام. وظهر (ص ٥٠) على جند حمص، وقتل خلقا من جند المصرييّن، وتسمّى بأمير المؤمنين. وخطب له بذلك على المنابر. ثم سار إلى نحو الرقة. فخرج إليه مولى الإمام المكتفى بالله، فقتله وهزم جيوشه، واستباح عسكره.
ورجع يريد دمشق، وجموعه ينهبون جميع ما مرّوا عليه من القرى والضياع. فلما قاربوا دمشق أخرج إليهم طغج جيشا كثيفا عليه غلام له يسمى بشير، فهزموه وقتلوه مع خلق من أصحابه. فلما اتصل بالمكتفى قتل غلامه وكسر جيوشه وكثرة فسادهم، ندب لحربهم أبا الأغرّ السّلمى، وضمّ إليه عشرة آلاف فارس من الجند والموالى والأعراب، وخلع عليه لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسعين ومئتين.
فسار حتى نزل حلب، ثم نزل وادى بطنان. فتفرّق الناس فى ذلك الوادى، ودخل قوم منهم الماء يتبرّدون، وكان ذلك فى القيظ، فلم يشعروا إلا بالقرامطة على حين غفلة منهم يقدمهم المسمى بالمطوّق. فعاد كلّ إنسان يحذر على نفسه وينجو من السيف. وركب أبو الأغرّ فرسه وصاح فى الناس. فثار إليه جماعة لقى بهم أوائل الخيل، ولم يلبث إلا اليسير حتى انهزم. وركبت القرامطة أكتاف الناس قتلا وأسرا،