للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها:

لك الله كم من فارس قد أجرته ... من الموت إذ أطلقته خيفة الأسر

يقصّر عنك المدح من كل مادح ... ولو جاء بالشمس المنيرة والبدر

...

[ذكر ليلة طيبة جرت بين ملوك الإسلام]

وذلك لما رحلت الفرنج-خذلهم الله-وطابت نفوس الملوك، واطمأنت قلوبهم، اجتمعوا فى القصر الذى بناه السلطان الملك الكامل بالمنصورة. وجلس السلطان الملك الكامل محمد، والملك الأشرف موسى، والملك المعظم عيسى فى مجلس شراب وأنس ولذة وطرب. وكان يوم رقت غلائل صحوه، وغنجت شمائل جوه، وضحكت ثغور رياضه، واطرد زرد النسيم فوق حياضه، وفاحت مجامر الأزهار، وانتشرت قلائد الأغصان عن فرائد الأنوار، وقام خطباء الأطيار، على منابر الأشجار، ودارت أفلاك الأيدى بشموس الرّاح فى بروج الأقداح، بمجلس قد تفتحت فيه عيون النرجس، ومالت أعناق البنفسج، وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فازات النارنج، وانطلقت ألسن العيدان، وقام خطباء الأوتار، وهبّت رياح الأقداح، ونفقت سوق الأنس، وقام منادى الطرب، وطلعت كواكب الندمان، وامتدّت سماء الند على بساط الورد، وقد سبوا العقل فى مرح الجنون، وخلعوا العذار بأيدى المجون، فأمر الملك الأشرف موسى لجاريته أن تغنى، فنهضت وقبلت الأرض، وتناولت العود وأصلحته، وجسته وغنت تقول:

ولما طغى فرعون عكا وقومه ... وجاء إلى مصر ليفسد فى الأرض

أتى نحوهم موسى وفى يده العصا ... فغرقهم فى اليمّ بعضا على بعض

قال: فأعجب بذلك الأشرف، وطرب لقولها، وشرب، وطاب. فأمر السلطان الملك الكامل لجاريته أن تغنى، فنهضت، وقبلت الأرض، وتناولت العود، وساوته-وكانت حاذقة-وغنت تقول: