للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والألسنة الأعجمية كانوا فضلاء، عقلاء، أدباء، نجباء، يحبون أهل العلم والفضل، ويسمعون المديح، ويجيزون عليه الجوائز السنية. وكانت تلك الأيام مدة كالأحلام لذة.

فى هذه السنة توفى عبد المؤمن سلطان المغرب. ولنذكر ها هنا لمعا من أخباره، ونسبه، وآثاره.

[ذكر عبد المؤمن ونسبه وبدء شأنه]

هو أبو محمد عبد المؤمن بن على القيسى الكومى، ليس من أهل بيت ملك. كان أبوه وسطا فى قومه، وكان صانعا فى الطين، يعمل منه الآنية، فيبيعها. وكان عاقلا، وقورا فى أهل بيته، دينا صالحا. فيحكى أن عبد المؤمن فى صناعة أبيه إذ كان صبيا، فنام إلى جانب أبيه ذات يوم، وأبوه مشتغل بعمله فى الطين، فسمع أبوه حسّا له دوى، نازلا من السماء إلى أعلى الدار، فرفع رأسه، فرأى سحابة سوداء من النحل قد هوت مطبقة على الدار، فنزلت مجتمعة على عبد المؤمن وهو نائم، فغطته حتى لم يظهر منه شئ، ولا استيقظ لها. فلما رأته أمه على ذلك الحال صاحت خوفا على ولدها، فسكتها أبوه. ثم إنه غسل يده، ولبس أثوابه، ووقف ينظر إليه، وإلى ما يكون من ذلك النحل معه. ثم إن النحل طار عنه بأجمعه، واستيقظ الفتى فرأته أمه وليس به أثر. وكان بالقرب منهم رجل معروف بالزجر، فمضى أبوه إليه، فأخبره بما رآه من النحل مع ولده، فقال الزاجر: «يوشك أن يكون له شأن، تجتمع على طاعته خلق عظيم». فكان من أمره ما كان.

ويقال إن محمد بن تومرت-المعروف بالمهدى-كان قد ظفر بكتاب الجفر،