للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وقد تقدّم من وصف الربيع ومحاسنه فى أوّل الزهريّات ما فيه بلغة، فلا تزال تلك حال الدنيا وأهلها من الحيوان والنبات إلى أن تنزل الشمس أوّل السرطان.

[فصل الصيف]

يتناهى طول النهار وقصر الليل فى الأقاليم كلّها وأخذ النهار فى النقصان والليل فى الزّيادة، وانصرف الربيع ودخل الصيف، واشتدّ الحرّ وحمى الجوّ وهبّت السمائم، ونقصت المياه فى سائر الأقاليم خلا نيل مصر فإنّه يسرع فى الزيادة، ويبس العشب، واستحكم الحبّ وأدرك الحصاد والثمار، وأخصبت الأرض ودرّت أخلاف النعم وسمنت البهائم، واتّسع الناس فى القوت والثمار، والطير من الحبّ، والبهائم من العلف، وصارت الدنيا كأنّها عروس بالغة تامّة كاملة كثيرة العشّاق، وقد تقدّم من وصف الثمار ونعوت الأشجار فى هذا الفصل ممّا فيه لغة للمتأمّل يغنى عن تكرار القول فيه، فلا تزال تلك حال الدنيا وأهلها إلى أن تبلغ الشمس آخر السنبلة.

[فصل الخريف]

(٢٩٢) إذا نزلت الشمس أوّل الميزان استوى الليل والنهار مرّة أخرى، ثم ابتدأ الليل فى الزيادة على النهار وانصرف الصيف ودخل فصل الخريف، وبرد الهواء وهبّت الشمال وتغيّر الزمان ونقصت المياه وجفت الأنهار، وعارت العيون، ونقص نيل مصر، وفنيت الثمار ويبس النبات، وأخذ الناس فيما يمونهم (١) للشتاء، وعرى وجه الأرض من زينتها، ومات الهوامّ وانجحرت الحشرات


(١) يمونهم: يمؤنهم