من مثل ذلك الأعرابي لإعجابه بها؛ فقال: لست أظنّك صاحبها! فإن كنت كذلك فقل في هذين-وأشار إلى الأمين والمأمون وهما قائمان بين يديه-فقال (٩١) الأعرابي: يا أمير المؤمنين! لقد حمّلتني شططا، وسلكت بي وعرا، وأوردتني أجاجا هيبة الملك وأبّهة الخلافة، مع دهشة القدوم، وتشريد القافية.
فقال الرشيد: حسبك! ففي كلامك هذا دليل على فراهتك! فقال: الآن اطمأنّ القلب وطاب القول، وأنشأ يقول (من الطويل):
بنيت بعبد الله بعد محمد ... ذرى قبّة الإسلام فاخضرّ عودها
هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها
فقال: وأنت بارك الله فيك. سل حاجتك ولا تكن دون إحسانك! فقال:
يد أمير المؤمنين بالعطاء أطلق من لساني بالقول! فأعجب الرشيد بهاتين الكلمتين وردّدهما مرارا، ثم أمر له بهنيدة معجّلة فخرج أغنى أهل بيته. وهنيدة مائة من الإبل برعاتها. والله أعلم.
ذكر سنة اثنتين وسبعين ومائة
النيل المبارك في هذه السنة
الماء القديم أربعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وإصبعان.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور بالله. وعزل موسى بن عيسى، وولّى حرب مصر مسلمة بن يحيى، وولّى خراجها عمر بن غيلان. وأبو الطاهر قاضيا بحاله.