قال الأصمعيّ وأبو عبيدة: إنّه جرى بمجلس كسرى ذكر لحاتم الطائيّ، فسأل من النّعمان بن المنذر عنه، فقال: أيّها الملك! أجمع الناس أنّه لم يكن أحدا بلغ في الكرم ما فعله حاتم، حتّى بلغ به الأمر إلى بيع نفسه، وأقرى ضيوفه. فقال كسرى: وكيف كان ذلك؟ فقال: نعم أيّها الملك، هذا حاتم تعلّم الكرم من أمّه غنيّة بيت عفيف. وكان أبوها قد مات وخلّف لها أموالا جمّة لا تدرك، فأنفذت أكثرها في الجود على الناس. وإنّ إخوتها أزوجوها لرجل يقال له: سعد بن عبد الله الجلهميّ، واقتصدوا ذلك لعلمهم أنّه لم يكن في العرب أشحّ منه، وقالوا: هذا يضرب على يدها ولا يمكّنها من بذرقة مالها.
فلمّا ولدت حاتم، انتشأ أكرم أهل زمانه. وكانت أمّه تحسّن له ذلك وتقوّيه على مراده. ومات أبوه، ونفذ جميع ما كان لهما حتّى بلغ بهما الجهد إلى أن باتا بلا عشاء، ولم يكن عندهما ما يتقوّتاه، ونزل بهما أضيافا على ما كانوا يعلمون من حاتم. فدخل على أمّه وقال: ألا تري إلى أضيافنا؟ وكيف لا يملك شيئا من المدنيا. فقالت له أمّه: يا حاتم، خذ بيدي وأخرجني إلى القافلة، (٢٧٩) وقل: من يشتري هذه الخادم البازلة؟