وذلك أنّ أبا بكر رضى الله عنه لما حدّث نفسه بغزو الروم، وكتم ذلك فى سرّه، فبينا هو فى ذلك إذ جاءه شر حبيل بن حسنة فقال: يا خليفة رسول الله، أتحدّث نفسك أن تبعث إلى الشام جندا؟ فقال: نعم، قد حدّثت نفسى بذلك فما أطلعتك عليه؟ فقال: إنّى رأيت فيما يرى النائم كأنّك فى ناس من المسلمين فوق جبل، فأقبلت تمشى معهم حتى صعدت منه إلى قبّة عالية أعلى الجبل، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك أولئك، ثم إنّك هبطت من تلك القبّة إلى أرض سهلة دمثة، فيها القرى والعيون والزروع والحصون، فقلت: يا معشر المسلمين شنّوا الغارة على المشركين، فأنا الضامن لكم الفتح والغنيمة، وأنا فيهم ومعى راية فتوجّهت (١١٩) بها إلى أهل القرية، فدخلتها فسألونى الأمان، فأمّنتهم ثم جئت، فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم ففتح لك، وألقوا إليك السلم، وجعل لك عرش فجلست عليه، ثم قال لك قائل: يفتح الله عليك وينصرك، فاشكر ربّك واعمل بطاعته. ثمّ قرأ عليك:{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ. .»} إلى آخر السورة، ثم انتهت.
قال أبو بكر رضى الله عنه: نامت عينك، ثم دمعت عيناه، وقال: أمّا الجبل الذى رأيت، فإنّا نكابد من أمر هذا الجند مشقّة ويكابدونه، ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا، وأمّا نزولنا من القبّة إلى تلك الأرض الدمثة السهلة ذات الزروع والحصون، فإنّا ننزل إلى أمر أسهل ممّا كنا، فيه الخصب والمعاش، وأمّا قولى للمسلمين: شنّوا الغارة، فإنّى ضامن لكم الفتح والغنيمة، فإنّ ذلك توجيهى