وإنما هو شئ وضعوه الحكماء المتفلسفين، يصيدون به عقول من يخدموه من الملوك الراغبين فى طول الحياة الدنياوية، مما يؤيد زعمهم أن العمر الطبيعى مائة وعشرون سنة، فمن مات قبل ذلك كان من وجوه التفريط بنفسه، مع شروط وضعوها.
ونحن نعوذ بالله من زعمهم، وزخارف أقوالهم. ونعلم ونتحقق أن العمر محتوم، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها، فهذا هو الاعتقاد الصحيح، والعقل الرجيح.
وها أنا أضع وأثبت-فى هذا الفصل-جميع ما استنسخته من ذلك الكتاب، لضرورة بدء خلق هؤلاء القوم التتار بزعمهم. وليظهر أيضا نقصان عقولهم، فيما وضعوه من خرافاتهم.
[ذكر بدء شأن الترك الأول حسبما ذكره صاحب الكتاب التركى]
هذا كتاب عنى بحلّه من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، كما عنى بحله من اللغة التركية إلى اللغة الفارسية، عبد الله المتوكل على ربه الغفور المسامح، جبريل ابن بختيشوع المتطبب، فى سنة إحدى عشرة ومائتين للهجرة النبوية المحمدية، على صاحبها السلام. وتركت فيه ألفاظا بحالها باللسان التركى، كما تركها الذى حلها من التركية إلى الفارسية، وهو أبو مسلم عبد الرحمن صاحب الدعوة العباسية. قال جبريل: ووصل إلىّ هذا الكتاب من ذخائر أبى مسلم المذكور. وذكر أنه من كتب جده برزجمهير بن البختكان الفارسى. وكان أبو مسلم ينتسب إلى برزجمهير المذكور، وليس ببعيد فيما ذكره، لما كان عليه من العقل الوافر، وحسن السياسة والتدبير، مع ما اجتمع فيه من فنون العلم. وقتله المنصور لما خيف من دهائه وتدبيره.
وسمعت المأمون-رضى الله عنه-يقول: الملوك ثلاث الذين ساسوا البلاد وأتقنوا الأمور وأقلبوا الدول؛ وهم الإسكندر، وأزدشير، وأبو مسلم. ثم إن جبريل أطنب فى ذكر أبى مسلم إطنابا كثيرا، أضربت عنه ولم أنسخه، إذ ليس فيه لنا غرض.
ثم قال بعد ذلك: إن الله جلت قدرته وتعاظمت حكمته خلق جبلا عظيما آخر