للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبد عليه من كتاب عجيب له عند الترك مزية عظيمة، يسمى باللغة التركية «الواى أطام بتكى» معناه «كتاب الأب الكبير». وهذا الكتاب وقفت عليه سنة عشرة وسبعمائة، أحضره إلىّ شخص كان يسمى أمين الدين الحموى، كاتب الأمير بدر الدين بيسرى، رحمهما الله تعالى. وكان الوالد-سقى الله عهده-فى ذلك التاريخ، متولى الأعمال الشرقية، وما معها. وكان هذا الرجل أمين الدين له بالأعمال راتب مقرر، فكان كثير التردد إلى بلبيس، وكنت من حال الصبى متولعا بالفضل وأهله، والأدب ونبله. وكان أمين الدين-رحمه الله-من أحسن الناس محاضرة، وألذهم مسامرة، وأغزرهم مروءة، وأكثرهم أدبا. وكان ممن يتردد إلى المملوك من السادة الفضلاء فى ذلك العهد، مثل الشيخ جمال الدين السملوطى، والحكيم شمس الدين ابن دانيال، وجمال الدين البلاليقى المعروف بابن زيتون، وجماعة أخر من أهل الفضل والأدب. فكنا ننهب العيش بالآداب، ونستخرج لباب اللباب من ذوى الألباب، فى كل فن وباب. فتجارينا ذات يوم ذكر التاريخ، وبدء التتار، فذكر أمين الدين المذكور أن عنده كتاب لم يقع لأحد مثله، وأنه كان عند الأمير بدر الدين بيسرى من أعظم ذخائره وأعزها عليه، وكان إذا أحضره قام له قائما، وجعله على رأسه، ويعظمه كما يعظم كتاب الله تعالى. فسألناه أن يحضره إلينا. فلما عاد أحضره، فنظرناه كتابا حسنا ذى شأوة جليلة، بخطّ منسوب ربما يقال إنه خط تلميذ ابن البواب، فى ورق بغدادى، مجلد بأطلس أحمر ظاهر وأصفر باطن. وله قفل ذهب، يدل على عناية كبيرة به. فاجتمعنا عليه، وقرأه علينا أمين الدين، فوجدناه تاريخا للترك الأول وأول خلقهم-بزعمهم-وذلك مما يخالف الشرع المطهّر.

فاستنسخت منه بدء خلق التتار والترك الأول، لما رأيت فيه من العجائب الغريبة، ليكون ذلك من باب التعجب، لا من باب التصديق، إذ هو غير موافق للشريعة،