وذلك أنه استوزر الصاحب ضياء الدين بن الأثير صاحب الترسل والفضيلة الحسنة. وكان له أيضا صاحبان؛ أحدهما عز الدين ابن الأثير صاحب التاريخ المشهور، والآخر مجد الدين أبو السعادات صاحب كتاب جامع الأصول فى علم الحديث. وكان هذا الرجل فاضلا، متقدما عند الملوك أصحاب الموصل من بنى زنكى. وكانوا هؤلاء الثلاث أصحاب حلّه وعقده، فأشاروا عليه أن يبعد مماليك أبيه، وينشئ مماليكا من جهته. وأوحوا إليه أن مماليك أبيه لا يرونه إلا بعين الصغر، ففعل الأفضل ذلك، وكان من سوء التدبير. فلما تباين للأمراء ذلك مالوا إلى الملك العزيز بمصر، ورحلوا إليه، فتلقاهم العزيز أحسن ملتقى، وأكرمهم، وأحسن إليهم. ورأى أمره أنه قد قوى بهم، فأشاروا عليه أن يتحرك إلى الشام، ويأخذ دمشق من أخيه الأفضل. فأراد أن يقيم له ذنبا يأخذه به فطلب منه بيت المقدس-وكان مضافا إلى مملكة دمشق-فاستشار هؤلاء، فقالوا:«لا تفعل يطمع فى سلطانك»، فامتنع.
وتجهز العزيز إلى الشام. وكانت أسماء الأمراء الذين حضروا من الشام إلى خدمة العزيز: ميمون القصرى وسنقر الكبير، مع جماعة من ملوك الأكراد، والأمير فخر الدين جهاركس. ثم تبعهم بعد ذلك الأمير صارم الدين قايماز النجمى، وكان من أكبر الأمراء الأيوبية؛ فإنه مملوك نجم الدين أيوب بن شاذى والد الملوك بنى أيوب فحضر إلى الملك العزيز بمصر. فلما علم الأفضل بتحريك العزيز إلى الشام، كتب كتابا إلى عمه الملك العادل يستنجده ويستجير به، فعندها توجه العادل من الشرق إلى نحو الشام، فوصل إلى دمشق فى اثنى عشر يوما، ووجد العزيز أيضا قد وصل دمشق،