ثم إنّ عمر رضى الله عنه مدّهم بسعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، بعد أن همّ أن يمدّهم بنفسه، ثم بدا له أن يوجّه عبد الرحمن بن عوف، فقال له عبد الرحمن:
فداك أبى وأمّى، قال عبد الرحمن: ما فديت أحدا بأبوى بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير عمر، انصرف إلى المدينة، فو الله لئن قتلت إنّى أخاف على المسلمين، ولكن ابعث يا أمير المؤمنين، قال: فمن أبعث؟ قال: ابعث الأسد على براثنه، سعد ابن أبى وقّاص! فبعثه فى أربعة آلاف فارس، فنزل القادسيّة، ثم استمدّ عمر، فمدّه بالمغيرة والأشعث بن قيس وغيرهما من فرسان العرب.
وبلغ المثنّى قدوم سعد أميرا، فوجّه إليه من يلقاه، ثم لقيه بعد ذلك، فأراه سعد كتاب عمر، فسمع وأطاع، وأعطاه الخمس، وجاءه جرير أيضا فأطاعه.
وسار سعد فى ستّة آلاف، وشنّ الغارات، فسار إليه رستم فى ستّين ألفا من أساورة العجم، وكان بينهما جسر القادسيّة، وتراسلوا، وكان (١٥٠) رسول المسلمين المغيرة بن شعبة، ثم تزاحفوا وعامّة أجنّة المسلمين التى يتترّسون بها برادع الرحال، وقد يعرّص فيه الجريد، لكن بقلوب أقوى من الحديد، فاقتتلوا وسعد فى القصر، قصر العذيب، ومعه زوجتاه، فسرّح إليه رستم خيلا، فأحدقوا بسعد، ومعه فى القصر قريب من ثلاثين رجلا، فقالت له سلمى زوجته: اخرج إلى القوم! فقال: أخاف أن ألقى بيدى إلى التّهلكة، فقالت: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة! ثم قالت: وامثنّاه، لا مثنّى اليوم، وكانت قبل ذلك عند المثنّى، فغار سعد، فلطم وجهها، فقالت: يا سعد: غيرة وجبنا.