أوقاتها، وهو زمن الربيع وما قيل فى جميع ذلك ممّا اخترناه من الشعر البديع، ووطّئنا لذلك من قولنا منثورا يفوق المنثور، ويطابق القريض فى الأثمار والزهور، ممّا لعلّه يستحلا حين يستجلا.
الثالث: أنّ شرطنا أن نتلو آخر كلّ جزء من أجزاء هذا التأريخ بذكر فضلاء أوانه، الكاتبين فى مدّة زمانه، من أهل المشرق والمغرب، ونذكر من أشعارهم ما استملحناه لما لمحناه من طبقتى المرقص والمطرب، ولما كان هذا الجزء الأول ليس يختصّ زمانه مخلوق ننقل عنه ما اشترطناه من هذه الآثار، ولا كائن من هذه الأمم المذكورة من نورد عنه أشعار، أثبتنا هذه المقاطيع الزهريّات المختصّة بذكر بعض ما فى الأرض من النباتات، ليكون لهذا الجزء النسبة بما يتلوه من أمثاله، وإن كان ليس فيهم إلاّ من يضاهيه فى مثاله، ويناظره فى حكمه وأمثاله.
[المقامة الرابعة والأربعون لابن الجوزى رحمه الله]
ما زلت أعاهد على أن أتعاهد المواعظ، وأسعى بوسعى حتى أملأ سمعى من كلّ واعظ، فخلت بلدتنا مع كثرة العالم من عالم، فبقيت فيها كالحوت فى البيداء، والضب فى البحر، ثم سمعت أنّ عربيّا غريبا قد قدّم وجلس، فزاحمت مزاحمة من صدم وصدم (٢٤٣) حتى جلس، فحمّدك وسبّحك ودعا، ثم قال: رحم الله من سمع ودعا، فتأملته فإذا سوقب دملص، وإذا سحر كلامه لسحرى يعتضّ، فقلت: إنّ هذه لشجرة وريقة فأنا أغتنم لفظ هذا وريقه، فأروى بجزع مواعظه كلّ نسيس، وأهوى بزواجره خدع إبليس.
فجعلت ذهنى إلى ما يقال، فأدرك حفظى من لفظه أن قال: يابن آدم تفكّر