للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى أمرك، تعرف قصر عمرك وتلمح انقضاض قصرك عند انقضاء عصرك، فكأنّك بك وقد نودى راكب شؤونك ابرك، وسطت العلل، فانبسطت انبساط الفلل، من شونك إلى ظفرك فيا كثرة مرضك ويا قلّة صبرك، ثم جاء الملك فواقعها فانتزعها من صدرك، ثم ألغيت دليلا وألقيت فى قبرك، ورمت فى قفرك قد منيت بعقرك، ثم تقوم حزينا يوم نشرك لحشرك، وينصب لك ميزان ربحك وخسرك، وربّما امتدّت يد الفضيحة إلى هتك ستر سترك، ثم تمشى وأى قدم على جسرك.

فقام شيخ فقال: حيّرتنى بزجرك، فقال: يا بعيدا عنّا أما تمّل طول هجرك، أما يكفيك بعد ظلام الشباب طلوع فجرك؟ قال: فما حيلتى؟ قال: أدرك واستدرك ويحك والله ما تساوى الملذّات أن تخاطر فيها باللذات، وأى راحة فى لقمات عند الحساب منتقمات، كم وقعت فى مهواة شهوات، ثم فارقت فأرقت وتبعت تبعات فدارك مادمت فى دارك هفوات الفوات، فما بينك وبين ما إذا نزل من الآفات آفات، إلاّ أن تعاين الوفاة وفات ويحك إنّما هو صبر مناعة عن الحرام أو للطاعات، فاز به المتيقّظون وفات أهل (٢٤٤) الغفلات، وثبوا إلى الخير بين جمع وثبات، فنظر إلى ثباتهم فأعينوا بصبر وثبات، وتلقّتهم الراحة يوم التوفّى واندفعت الكربات، فلو رأيت العاصى وقد استلبته عند الرحيل أيدى النائبات، أصبح على الخمر والناى، فانظر أين بعد هذا النادى مات، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ»} (١).

فقال السائل: بيّن لى أفعال القسمين! فقال: بين بيّن وسم الوسمين! أمّا الصالحون فخلّصوا نفوسهم من رقّ الهوى وأعتقوا، وسمعوا من ذا الذى يقرض


(١) القرآن الكريم ٤٥/ ٢١