للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانصرف الطير والوحش يطلب البلدان الدفيّة، وأحرز الناس القوت لشتاءهم ودخلوا تحت السقوف واتّخذوا الجلود والجباب لأجل البرد، وتغير الهواء وأضرّ، وصارت الدنيا كأنّها كهلة مدبرة الشّباب قد تولّى عنها أيّام البشاشة وتولّتها ليال الكهولة.

ولم أجد فى هذا الفصل من ذكر شئ من محاسنه إلاّ أن يكون فى ذكر ثماره الكائنة فى زمانه كالبلح والخوخ والرمّان والموز وما أشبه ذلك، وقد تقدّم القول فيه، ولم تزل الدنيا ذلك دأبها ودأب أهلها إلى أن تنزل الشمس أوّل الجدى.

[فصل الشتاء]

يتناهى طول الليل وقصر النهار، ثم يأخذ النهار فى الزيادة، ونصرف الخريف ودخل الشتاء، واشتدّ البرد وخشن الهواء وتساقط ورق الأشجار ومات أكثر الحيوان وانجحر أكثره فى باطن الأرض وكهوف الجبال من شدّة البرد، وتناشت الغيوم وأظلم الجوّ وأكلح وجه الأرض وهزلت البهائم وضعفت قوى الأبدان ومنع الناس البرد من التصرّف وتمرمر عيش أكثر الحيوان وصارت الدنيا كأنّها عجوز هرمة قد دنا منها الموت وقرب الأجل، وأمّا ما يتّصل (٢٩٣) بذلك من ذكر الأمطار والثلوج والروق وقوّة البرد وما يتعلّق به، فمن أحسن ما قيل فى ذلك لابن المعتزّ (من المنسرح): (١)

يوم من الزمهرير مقرور ... عليه جيب السحاب بزرور

كأنّما حشو أفقه إبر ... والأرض من تحته قوارير

وشمسه حرّة مخدّرة ... ليس لها من ضياء نور


(١) محاضرات الأدباء ٤/ ٥٥١ (منسوب إلى وهب الهمدانى)