وكان ظنين، فى تلك السنين، لمّا تحاذره الآدميّين، قد جعله صيده وغداءه وحوش الفلاة، لا يخشى كبيرها، ولا يرثى لصغيرها، حتى صار كلّ وحش شارد، عن المراعى والموارد، فلمّا زاد بهم البلاء، وتحاذروا الكلاء، وعطشوا من الماء، وهلكوا من الظماء، اجتمعوا بباب الملك الهمام، الأسد الضرغام، ملك الوحوش وقائد الجيوش، ورفعوا إليه حالهم، وما من ذلك التنّين قد نالهم، فلمّا علم شكواهم، وفهم نجواهم، زمجر بصولته، وجمع كبار دولته، وقال:
اعلموا أنّ الملك أحقّ باصطفاء رجاله، منه باصطفاء ماله، لأنّه مع اتّساع الأمر وجلالة القدرة، لا يكتفى بالوحدة ولا يستغنى على الكثرة، ومثله فى ذلك مثل المسافر فى الطريق البعيدة الذى يجب عليه أن تكون عنايته بفرسه المجنوب، مثل عنايته بفرسه المركوب، ومشورة ذى التجارب، من بلغ المآرب.
واعلم <أنّ> الملوك تحتاج إلى وزير، وأشجع الناس يحتاج إلى سلاح، وأجود الخيل يحتاج إلى سوط، وأجود الشفار يحتاج إلى مسنّ، ومثل الملك الصالح مع الوزير الفاسد مثل الماء الصافى العذب النمير الذى فيه التماسيح فلا يستطيع الناس وروده (٣١٥) وإن كان سائحا، ومن كلام فيثاغورس: معاشر الناس لا تضمروا غش الأئمّة! فإنّه من أضمر ذلك أظهره الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه وشجيّة أحواله، والإشفاق على حاشية الملك وخدمه، كالشفقة على ديناره ودرهمه، وإذا نصر الهوى بطل الرأى، وو الله ما عزّ ذو باطل ولو طلع من جبينه القمر، ولا ذلّ ذو حقّ ولو أصفق العالم عليه، وقد قال لقمان فى وصيّته: