يا بنىّ شاور من جرّب الأمور فإنّه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء وأنت تأخذه بالمجون.
واعلموا أنّ لا صلاح للخاصّة مع فساد العامّة، وأنّ لا سلطان إلاّ برجال ولا رجال إلاّ بمال ولا مال إلاّ بعمارة ولا عمارة إلاّ بعدل وحسن سياسة، وقد قيل: كن ليّنا من غير ضعف وشديدا من غير عنف.
واعلموا أنّ الإرجاف مقدّمة الكون وبريد الفتنة، والعجم تقول: ينبغى أن يجتمع فى قائد الجيش وثبة الأسد، واستلاب الحدأة، وختل الذئب، وروغان الثعلب، وصبر الحمار، وحملة الخنزير، وحراسة الكركى، وبكور الغراب، ومع ذلك يحتاج إلى الوزراء ذو والرأى السديد فى الأمر الشديد
والآن فقد اتّصل بنا ما الرعايا فيه من البلاء، ونزوحهم عن الماء والكلأ لتعرّض هذا التنّين المسمّى ظنين، وإنّه قد أفنى الجيوش، ولمّا يأس من الآدميين سطا بشرّه على الوحوش، وهو كما علمتم أنّه مرّ المذاق، وعدوّ لا يطاق، فما عندكم من الرأى فى أمره، فى حيلة نصل بها إلى إنفاد عمرء، من غير عناء ولا تعب ولا همّ ولا نصب؟
(٣١٦) فنهظ (١) أكبر وزراء الحضرة، النمر ذو الرأى ولخبرة، وقال:
أيّها الملك العادل، والسلطان الفاضل، قد قيل لوزراء العجم: ينبغى للملك أن يبنى أمره مع عدوّه على أربعة أوجه: على البذل واللين، والكيد والمكاشفة، وذلك مثل الخراج فأولى علاجه التسكين، فإن لم ينفع فالإنضاح والتحليل فإن لم ينجع فالبط، فإن لم ينفع فالكىّ وهو آخر العلاج، وهذا العدوّ فليس ينفع فيه البذل ولا اللين، إذ البدل بالمال لا يرضيه، واللين له ممّا يزيده ويطغيه،