الحمد لله الذى ارتضى لتدبير عباده أكرمهم وأشرفهم، واجتبى لمصالح أمورهم أعلمهم وأعرفهم، وجعل اعتقاد ذلك حتما فيمن وقع الاجتماع عليه، وتيقنه شرطا فيمن ارتفع الخلاف فيه، وأدّى الوفاق إليه، ففرض الإخلاص لمن اصطفاهم وخصهم بالملك، وأوجب لأولياهم من كريم جزايه مثلما أوجبه لأولى النسك.
وصلى الله على سيدنا محمّد الذى جعل النجاة فى الإقرار برسالته، وخير العاجلة والآجلة للمجتهدين فى طاعته، وعلى آله الأيمة الأبرار، وذريته الهداة الأطهار، الذين غدوا أقمارا فى الأرض ونجوما، وصلت أنوارهم شهبا لقذف ذوى الضلال ورجوما، وعلى أصحابه نجوم الهدى، الذى بأيهم اقتدى فقد اهتدى، وأجزل حظهم من الإجلال والتعظيم، وخصهم بأفضل التحيات والتسليم.
وبعد فإنّ العبد تقدّم منه القول، بحول ذى القوّة والطول، فيما مضى فى الجزء الأوّل والثانى والثالث، ممّا يلهى متأمّلهم عن سماع المثانى والمثالث، لما قد احتوو عليه من غرايب الأخبار، ونوادر الآثار، وجلايل النقود، وفرايد العقود، وأبكار الرهود، ولآلئ المنشور، مما نظرته فاستملحته لما لمحته، واستحليته لما تصفحته، فأثبته عندما صححته.