وبعني بما تضيف به أضيافك الليلة، ولا تحزن على قلّة ما بيدك. فقال حاتم: معاذ الله يا أمّاه أن أبيعك وأنت امرأة ضعيفة عن ما يراد منك من الخدمة! وإنّما، وحقّ البيت الحرام، وزمزم والمقام، متى لم تفعلي أنتي بي هذا وتبيعيني بما تقري به هؤلاء القوم، وإلاّ قتلت نفسي بيدي. فلمّا تحقّقت من ذلك، قامت به إلى القافلة الواردين عليهما وأباعته بناقتين، ونحرتهما للأضياف.
ولمّا كان عند الصباح، توجّه حاتم مع مولاه الذي شراه، بعدما ودّع أمّه وأخته، وسار يسوق جمال مولاه ونياقه إلى دياره. ثمّ سلّم إليه مولاه سائر أمواله وجماله، وبقي على مثل ذلك ثلاث شهور. وفي الشهر الرابع نزل على سيّده رجل من طيء-وكان اسم مولاه لائم بن خارقة. فلمّا كان عند المساء جلس الطائيّ للعشاء، فرفع رأسه فرأى حاتم واقف من جملة العبيد في الخدمة، فعرفه، وما خفا عليه أحواله. فقال لمولاه: من اين لك هذا العبد النجيب البازل؟ فقال: هذا شريته من بني طيء بناقتين. واليوم، لو طلب منّي بعشرين ناقة ما بعته. لما بان لي منه من الأمانة وعدم الخيانة. فضحك الطائيّ من كلامه، وقال: يا أمير، لقد اشتريت عبدا ما عرفت له قيمة، ووقعت والله بالدّرّة اليتيمة. ولو عرفته ما كنت استخدمته، بل كنت خدمته وأكرمته. فلمّا سمع مولاه هذا الكلام، رفع يده عن الطعام، وقال: يا وجه العرب، ما معنى هذا المقال؟ فقال الطائيّ: والله ما بعبد ولا ابن أمة، ولكن ابن حرّة مكرّمة. هذا حاتم طيء الذي بلغ من الكرم ما لا بلغه أحدا من الخلق، وما أظنّه أباع نفسه إلاّ لقضيّة عجيبة