وحملت الرّوم حملة رجل واحد، فزال المسلمون عن الميمنة إلى القلب، وانكشفوا عن راياتهم، وصبرت طوائف من قبائل العرب مع أمرائهم، وحمل خالد بن الوليد رضى الله عنه على ميسرة الرّوم، وقد كانت دخلت عسكر المسلمين حتى صارت ميمنة المسلمين، والقلب شيئا واحدا، فقتل خالد-وهو فى قريب من الألف-ستّة آلاف فارس، وكان بإزائه قريب من المائة ألف، فنادى خالد رضى الله عنه: يا أهل الإسلام، لم يبق للقوم من الحلية إلاّ (١٤٣) ما رأيتم، الشّدة الشّدة، فو الذى نفسى بيده إنّى لأرجو أن يمنحكم الله تعالى أكتافهم، وانتهى خالد فى تلك الساعة بالحملة إلى [الدّرنجار](١)، وفض الله جموع الروم، وهم ثلاثة عساكر.
وكان لمّا انهزم المسلمون أولا سمعوا صوتا ملأ العسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثّبات الثّبات يا معشر المسلمين، فانعطف عليه، فإذا هو أبو سفيان ابن حرب تحت راية ابنه يزيد.
وانتهى الرّوم إلى مكان مشرف على أهوية، فسقط فى تلك الأهوية تقدير ثمانين ألفا، لم يعدوا إلاّ بالقصب، وبات المسلمون على مراكزهم، فلمّا أصبحوا لم ينظروا فى ذلك الوادى شيئا، فظنّوا أنّ العدوّ قد كمن لهم، فبعثوا الخيل إثرهم، فأخبرهم الرعاة أنّه قد ترحّل منهم البارحة نحو من أربعين ألفا فاتّبعهم خالد فى الخيل، فقتل سائرهم، حتى مرّ بدمشق فاستقبله أهلها فسألوه البقاء على العهد، ففعل، ثم مرّ فى إثرهم حتى أتى حمص، فخرج إليه أهلها فقالوا: نحن