ولا فراق طرمة، ولا مشاق كلفة، لطهارات البشر، ولا همّ يهمّ ولا غمّ يغمّ ولا تحريم يزمّ، عن قضاء الواطر، ولا عناء نصب ولا سقاء نعب ولا لقاء وصب يوجب دموع كدر، فسبحان من جاد عليهم غاية الجود، وبلغهم نهاية المقصود، ومنّ وما منّ بدوام الخلود، وهو آخر الأمل المنتظر.
فقال السائل: اذكر لى حال القسم الآخر! فقال: كم بين من تقدّم ومن تأخّر، هؤلاء زلّوا بإيثار ما يزول، واستحلّوا ما يتغيّر ويحول، تكاسلوا عن الصلاة، فإن صلّوها نقصوا وأهملوا جانب الزكاة، فإن أخرجوا انتقصوا، غطوا أبصار البصائر بالخمر، وشغلوا أسماعهم عن الزواجر بالزمر، وبادروا بارد العيش فإذا البرد جمر، ورضوا فى الدين (٢٤٦) بالوهى معرضين عن النهى والأمر.
قال: صف لى مآلهم، وعرّفنى ما لهم! فقال: كلّما اشتدّ بالقوم عند الموت الألم، صاح لسان اللوم ألم أقلّ ألم، ثم تمزج لهم كؤوس الحسرات بدم ندم، فيتمنون لما قد صدم العدم، رحلت اللذّة عن الأفواه وتخلّفت مرارة الأسف، وصار بدر الأمل كالعرجون ثم أمحق وخسف، واشتدّ عليهم كرب الموت وتحسر به الفوت وعسف، فإذا الغصن الغضّ قد نحل وشسف، ثم نقلوا إلى قبر أخصب ما فيه العجب، وأزرى من تربة زرود النجف، فلو رأيته بالعاصى قد تزلزل ورجف، ثم يأتى منكر ونكير إلى مقرّ بذنوبه قد اعترف، فلا يجد مقرّا ولا مقرا أودى من الحيف، فعذابه دائم وعتابه قائم على الشرف، فإذا انشقّ ضريحه ظهر قبيحه، وانكشف فلقى فى القيامة ما يعجز عن وصفه من وصف، ثم يحمل إلى النيران فيلقى بين الأنتان والجيف، عقابها عميم، وشرابها حميم، وعذابها أليم، هذا وقد عكف، مقامعها حديد، وبلاؤها شديد،