هذه الرقعة، قال: وجهّزنى بأحسن جهاز وأنعم علىّ بشئ كثير وتوجّهت من عنده مكرّما، فلمّا وصلت إلى عبد الملك بن مروان وأدّيته الرسائل وأنسيت (١) الرقعة فى طىّ عمامتى وخرجت من عنده فلمّا صرت فى بعض الدهليز أريد الخروج تذكّرتها فرجعت إليه وأوصلتها له، فلمّا قرأها قال لى: يا شعبى أقال لك قبل أن يدفعها إليك شيئا؟ قلت: نعم! قال لى: أمن أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا! ولكنّى من العرب فى الجملة، ونسبنى فانتسبت إلى قومى حمير، فقال: ملوك قد انقرضوا، ثم دفع لى هذه الرقعة بختمها كما رآها أمير المؤمنين، قال: أتدرى ما فيها؟ قلت: لا وحياة أمير المؤمنين! قال، فدفعها إلىّ فإذا فيها مكتوب: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره، فقلت: والله لو علمت ما حملتها وإنّما قال ذلك ولم يرك ولا أحد من أهل بيتك! قال: أفتدرى لم كتبها؟ قلت: لا! قال: حسدنى عليك وأغرانى بقتلك، قال، فبلغ ذلك ملك الروم (٢٠٧) فقال: والله ما أردت إلاّ ما قال!
قال الشعبى رحمه الله: ثم إنّ عبد الملك سأل منّى بعد ذلك المجلس ما كان سبب احتباسى عند ملك الروم وعمّا كان يتحدّث به معى فى مدّة إقامتى عنده، فقلت: كان يخوض معى فى كلّ بحر غويص من كلّ فنّ ويدقّق علىّ المسائل فأخرج له منها بمعونة الله تعالى وبركة أمير المؤمنين، وسألنى عن قومى، فانتسب إلى حمير، فقال: ملوك من ولد سام بن نوح ونحن معاشر الروم من ولد يافث ابن نوح، ثم قال: هل تعلمون معاشر المسلمين أنّ الله تعالى خلق خلقا قبل آدم أبى البشر؟ فقلت: يورد أنّه عزّ وجلّ خلق خلقا عديدا لا يحصيهم غيره منهم:
الحنّ والبنّ والطمّ والرمّ والجنّ، وذكرت له ما ورد فى ذلك من الأخبار والآثار،