للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والباحث يرى أن القدماء اهتموا بإبراز العلاقة بين سورة القصص والتوجيه البلاغي لظواهرها اللغوية، ومن أقدم النصوص في ذلك ما أورده القاضي الباقلاني اذ قال ـ رَحِمَه الله ـ في قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ

الْمُفْسِدِينَ} ((١)) ، " هذه تشتمل على ست كلمات سناؤها وضياؤها على ما ترى، وسلاستها على ما تشاهد، ورونقها على ما تعاين، وفصاحتها على ما تعرف. وهي تشتمل على جملة وتفصيل وجامعة وتفسير، ذكر العلو في الارض باستضعاف الخلق بذبح الولدان وسبي النساء، وإذا تحكم في هذين الأمرين فما ظنك بما دونهما، لأن النفوس لا تطمئن على هذا الظلم، والقلوب لا تقر على هذا الجور، ثم ذكر الفاصلة التي أوغلت في التأكيد وكفت في التظليم، وردت آخر الكلام على أوله، وعطفت عجزه على صدره " ((٢)) ، ثم قال ـ رَحِمَه الله ـ عن قوله تعالى:

{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ((٣)) ، " وهي خمس كلمات متباعدة في المواقع نائية المطارح قد جعلها النظم البديع أشد تألفاً من الشيء المؤتلف في الأصل، وأحسن توافقاً من المتطابق في أول الوضع " ((٤)) .


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٤.
(٢) إعْجَاز القُرْآن: ص ١٩٣.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧٧.
(٤) إعْجَاز القُرْآن: ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>