للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الحكمة من التكرار]

إن اعتقادنا أنه لا يوجد تكرار في القصص القرآني بمعنى مشابه للتكرار في القصة التاريخية أو الأدبية، لأن القرآن الكريم كتاب دعوة، والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبيتها، والقصة تتكون من الحدث والشخصية، ففي القصص التاريخية نلاحظ التركيز على الشخصية، فحينما تقرأ أي قصة تجد أنها تركز على شخصية أو مجموعة أشخاص من أول القصة إلى خاتمتها، أما في القصص القرآني فنرى إعجازاً آخر يضاف إلى إعجازات القران الكثيرة، وهو الملائمة بين الحدث والشخصية. لذلك كان التكرار غير مقصود لذاته، بل جاء لإيراد معنى آخر في سياق القصة نفسها.

وإضافة إلى ما تقدم يمكن أن نبين الحكم الجلية الجليلة لتكرار القصة في القرآن الكريم:

قد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه وتذكيراً له عند حدوث سببه خوف نسيانه ((١)) ، فالعرب حينما تكرر أمراً أو تؤكده، يدل ذلك على الاهتمام بذلك الأمر، فتكرير صفات الله دال على الاعتناء بمعرفتها والعمل بموجبها ((٢)) .

رسوخها في الأذهان بتكريرها مرة بعد مرة.

ظهور البلاغة، فإن تكرار الكلام في الغرض الواحد من شأنه أن يَثقُلَ على البليغ، فإذا جاء اللاحقُ منه إثر السابق تفنن في المعاني، وتفنن في الألفاظ وتراكيبها، وتفنن في المحسنات البديعية المعنوية واللفظية كان ذلك من الحدود القصوى في البلاغة ((٣)) .

أن يقتضي سياق السورة الواردة فيها القصة أن تذكر مختصرة وتذكر في موضع آخر بشكل أوسع لاقتضاء ذلك التطويل في هذا الموضع الثاني.


(١) ينظر البرهان في علوم القرآن: ١/٢٩.
(٢) محاسن التأويل: ١ / ٢٥٧.
(٣) أَسَاس البَلاَغَة: مادة (ق. ص. ص) ص ٤٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>