للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يتضح هذا التناسق بين أول السورة وآخرها، ثُمَّ أننا نجد أمراً أخراً هو إظهار عاقبة الطغاة والمتكبرين والمفسدين في الأرض، لقوله تعالى: {وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} ((١)) ، ويقابله في آخر السّورة قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ الله} ((٢)) ، لأن {وَجُنُودَهُمَا} متقابلة كلّ التقابل مع {فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ الله} أي: الجنود الذين كانوا يحرسون قارون، وهذا اتساق بياني في المعنى المتوافق.

وبهذا يكون أول السّورة مترابطاً كلّ الترابط مع آخرها، ومتناسباً معه بما يجعل من داخل السورة وحدة متكاملة في مبناها ومعناها، وهو بعض أوجه الإعجاز الَقُرْآنيّ.

* * *

المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

[المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة]

معاني الحروف المقطعة في القرآن وإعرابها:

إن الحروف المقطعة على اختلاف الأقوال فيها، من الافتتاحيات الرائعة التي يصدر بها الكلام. وقد " قال أهل البيان من البلاغة حسن الابتداء، وهو أن يتأنق في أول الكلام لأنه أول ما يقرع السمع، فإن كان محرراً أقبل السامع ووعاه وإلاّ أعرض عنه، ولو كان الباقي في نهاية الحسن، فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب لفظ وأجزله، وأرقه وأسلسه، وأحسنه نظماً وسبكاً، وأوضحه معنى وأوضحه، وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس، أو الذي لا يناسب. وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك من الابتداء الحسن " ((٣)) وما يعنينا هنا هو الحروف المقطعة، وحسن ابتداء الكلام بها.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٦.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٨١.
(٣) الإتقان في علوم القرآن: ٢/١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>