للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد أن قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُون} ((١)) ، يجسد صورة بلاغية فنية مبدعة في لفظها وجرسها ومعناها وصوته الذاتي، ذلك أن لفظة (قصيه) لفظة مفتوحه على معانٍ متعددة ((٢)) .

ولكن من الممكن هاهنا أن نفهم منها معنى (قص الاثر والبحث والنظر عن بعد) ، ويعزز المعنى الاخير قوله تعالى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ، وفي ذلك صورة الأخت الحنون التي تبحث عن أخيها بأمر من أمها الوالهة التي فقدته، وهي صورة لا تتكرر في البيان.

أما قوله تعالى فيها: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} ((٣)) ، فهو تصوير فني ـ بلاغي متكامل الصورة، النبي الكريم موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ في نضجه واكتماله، وقد كان الربط بين الفعل الماضي (بلغ) ، والمفعول به

(أشده) ، ثم مجيء الفعل المضارع (استوى) ربطاً متكاملاً في جوانب الصورة كلها، بحيث يشعر قارىء النص وسامعه على حد سواء ان هنالك رجلاً (مكتمل الخلقة) بدلالة الافعال المتتالية المتوالية.

والصورة البلاغية واضحة كل الوضوح، وظاهرة كل الظهور في قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّب} ((٤)) ، فإن الفعل الناقص (أصبح) ، والحال (خائفاً) ، ثم الفعل المضارع التام (يترقب) يتركب منها تصوير بلاغي تام، يدل على إنسان يتلفت إلى يمينه ويساره وفي هذه الصورة إعجاز صوري لا يتأتى لأي أحد إعادة تصويره مهما بلغ من إجادة وإتقان، وتلك إحدى خصائص النص القرآني في إعجازه.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ١١.
(٢) لِسَان العَرَب: مَادة (قصص) ٧ /٧٥.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ١٤.
(٤) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>