وهذا هو عين ما قرره علماء السلوك التربوي إذ قالوا: إن من اغتر بعلمه جهل نفسه وعلمه، وكان القرآن الكريم قد سبقهم إلى ذلك في هذه الحقيقة التي لا زالت عندهم هنالك في الغرب نظرية لم تحقق، وهذا بعض أوجه الإعجاز التربوي القرآني.
ونجد أن قوله تعالى:{وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}((١)) ، يدل في مفهومه العام على أن الإنسان مهما كان في ماضيه، وحاضره، ومستقبله لا يمكن له أن يتنبأ بما يؤول إليه أمره في العلم والمعرفة، لأن ذلك من الأمور المقدرة المسلمة بيد الله سبحانه وتعالى، وهذه الحقيقة كررها في العصر الحديث علماء التربية إذ ذهبوا إلى أن الإنسان مهما بلغ ذكاؤه لا يمكنه أن يعلم ما سيكون عليه مستواه العلمي والتعليمي، ولكنهم لكفرهم لم ينسبوا ذلك كله إلى الله سبحانه وتعالى، أما القرآن الكريم كلام الله جلَّ جلاله، فقد أسند هذه الحقيقة لله سبحانه وتعالى ليسبق هؤلاء العلماء في هذه الحقيقة التربوية.
وبذلك يمكن لنا أن نقول: إن سورة القصص الكريمة قد احتوت فيما احتوته على كافة المبادئ التربوية والإرشادية والسلوكية التي لم يتوصل إليها علماء النفس من التربويين إلا في أخريات العصر الحديث، وهذا مما توصلت إليه بحمد الله وشكره.