للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا بعيد جداً عن المعنى الحقيقي لأن سيدنا موسى (- عليه السلام -) في الآية الأخرى استغفر لتسرعه في قتل هذا القبطي، وطلب المغفرة من الله تدلّ على أن المراد بقوله تعالى: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} ، أي: العجلة وإطاعة النفس، والانسياق وراء الغضب من عمل الشيطان.

ويتابع الرازي رده على هذه الطعونات:

أما قوله: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} فعلى نهج قول أدم (- عليه السلام -) : {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} ((١)) . والمراد أحد وجهين: إما على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه، وإن لم يكن هناك ذنب قط. أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب.

أما قوله: {فَاغْفِرْ لِي} ، أي: فاغفر لي ترك هذا المندوب، وفيه وجه أخر وهو أن يكون المراد {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} حيث قتلت هذا الملعون، فإن فرعون لو عرف ذلك لقتلني به {فَاغْفِرْ لِي} ، أي: فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون. ويدلّ على هذا التأويل أنه على عقبه قال: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} ، ولو كانت إعانة المؤمن ههنا سبباً للمعصية لما قال ذلك.

أما قوله: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ} ((٢)) ، المقصود بكونه ضالاً، أي: متحيراً لا يدري ما يجب عليه أن يفعله.

أما قوله: إن كان كافراً حربياً فلم استغفر عن قتله، قلنا: كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع ((٣)) .


(١) سُوْرَة الأَعْرَافِ: الآية ٢٣.
(٢) سُوْرَة الشُّعَرَاءِ: الآية ٢٠.
(٣) ينظر مفاتيح الغيب: ١٢ /٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>