القول الأول: قال بعضهم: إنه خرج وما قصد مدين، ولكنه سلم نفسه إلى الله تعالى وأخذ يمشي من غير معرفة، فوصله الله تعالى إلى مدين. وهذا قول ابن عباس (- رضي الله عنه -) .
القول الثاني: إنه لما خرج قصد مدين، لأنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم (- عليه السلام -) ، وهو كان من بني إسرائيل، لكن لم يكن له علم بالطريق بل أعتمد على الله.
القول الثالث: ومن الناس من قال بل جاءه جبريل (- عليه السلام -) وعلمه الطريق. وذكر ابن جرير عن السدي: لما أخذ موسى (- عليه السلام -) في السير جاءه ملك على فرس فسجد له موسى من الفرح فقال: لا تفعل واتبعني، فتبعه نحو مدين. وهذه الرواية غير صحيحة لأنه لا يمكن لموسى أن يسجد لغير الله تعَاَلىَ حتَّى ولو كان قبل النبوة لأن الأنبياء معصومون قبل النبوة وبعدها، واستغرب من عدم رد الرازي لها.
ورجح الرازي القول الأول للأدلة الآتية:
قوله تعالى:{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} ولو كان قاصداً الذهاب إلى مدي (١) لقال: ولما توجه إلى مدين، فلما لم يقل ذلك بل قال:{تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} علمنا أنه لم يتوجه إلا إلى ذلك الجانب من غير أن يعلم أن ذلك الجانب إلى أين ينتهي.
(١) مدين: وهي قرية سميت باسم مدين بن إبراهيم (- عليه السلام -) ، وهي بلاد واقعة حول خليج العقبة من عند نهايته الشمالية وشمال الحجاز وجنوب فلسطين. وذكر الطبري إن بين مصر ومدين مسيرة ثمان ليالِ، وكان يقال على نحو من الكوفة إلى البصرة , ينظر جامع البيان: ١٠/ ٥٢. معجم البلدان: ٥ /٧ ٨. روح المعاني: ٢٠/٥٩.