وللجواب على ذلك نعود إلى نفس الآية التي استدل بها على إباحة الاختلاط والعمل أخذاً من سقى البنات لغنمهن:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا} ، نستدل بها على إباحة العمل والاختلاط للضرورة، فإن الآية الكريمة قد أجابت عن من يتسأل في السبب الذي دعا الشيخ لدفع بناته للعمل ولاحتمالية الاختلاط، فقالت إحدى البنتين حينما سألها موسى (- عليه السلام -) عن سبب امتناعها عن السقي: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ، فقد كان الجواب عن سؤال موسى المعلن وهو سبب عدم السقي {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} . وأجابت عن سؤال مضمر في نفس موسى كأنها أحست أخفاه من الحياء، وهو لماذا لم يأتي رَجل مكانهن، فقالت:{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ، أي: إنا مضطرات، لأن والدنا كان في حالة عجز عن القيام بمهمة السقي، ولا يوجد رجل يقوم مقامهن، لأن والدهن لم يكن لديه من يخلفه غيرهما.
وقد قال الإمام الرازي بهذا الخصوص " فإن قيل: كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب أن يرضى لابنته بسقي الماشية؟ فالجواب: إنا وإن سلمنا أنه كان شعيباً النبي (- عليه السلام -) ، لكن لا مفسدة فيه لأن الدين لا يأباه وأما المروءة، فالناس فيها مختلفون، وأحوال أهل البادية غير أحوال أهل الحضر لاسيما إذا كانت الحالة حالة الضرورة "((١)) .