٢.ومن الناس من قال: إنه لم يبن ذلك الصرح، لأنه يبعد من العقلاء أن يظنوا أنهم بصعود الصرح يقربون من السماء مع علمهم بأن من على أعلى الجبال الشاهقة يرى السماء كما يراها حين كان على قرار الأرض، ومن شك في ذلك خرج عن حد العقل، وهكذا القول فيما يقال من رمى السهم إلى السماء، وأن من حاول ذلك كان من المجانين، فلا يليق بالعقل والدين حمل القصة التي حكاها الله تعالى في القرآن على محمل يعرف فساده بضرورة العقل، فيصير ذلك مشرعاً قوياً لمن أحب الطعن في القران ((١)) .
والذي أراه أن أمر فرعون لهامان ببناء الصرح لم يكن يقصد البناء حقيقة، ولكنه أراد الاستهزاء بموسى وتكذيبه بدلالة قوله تعالى حكاية عن فرعون:{وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ} بعد الأمر ببناء الصرح، فهو إنما أراد أن يبين لهم بطريقة الاستدلال العقلي أنه لا دليل حيّ على وجود إله موسى، فأوهمهم بأن الإله لا بد أن يكون محسوساً، وهذا ما أراده من قوله لقومه:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}
أي: ما دمت أنا محسوساً فأنا أحق بالعبادة من إله موسى غير المحسوس وهذا من قلة عقله واستخفافه بعقول قومه.